تفسير ابن كثير تفسير الصفحة 243 من المصحف



تفسير ابن كثير - صفحة القرآن رقم 243

243 : تفسير الصفحة رقم 243 من القرآن الكريم

** وَلَمّا فَتَحُواْ مَتَاعَهُمْ وَجَدُواْ بِضَاعَتَهُمْ رُدّتْ إِلَيْهِمْ قَالُواْ يَأَبَانَا مَا نَبْغِي هَـَذِهِ بِضَاعَتُنَا رُدّتْ إِلَيْنَا وَنَمِيرُ أَهْلَنَا وَنَحْفَظُ أَخَانَا وَنَزْدَادُ كَيْلَ بَعِيرٍ ذَلِكَ كَيْلٌ يَسِيرٌ * قَالَ لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتّىَ تُؤْتُونِ مَوْثِقاً مّنَ اللّهِ لَتَأْتُنّنِي بِهِ إِلاّ أَن يُحَاطَ بِكُمْ فَلَمّآ آتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ قَالَ اللّهُ عَلَىَ مَا نَقُولُ وَكِيلٌ
يقول تعالى: ولما فتح إخوة يوسف متاعهم, وجدوا بضاعتهم ردت إليهم, وهي التي كان أمر يوسف فتيانه بوضعها في رحالهم, فلما وجدوها في متاعهم {قالوا يا أبانا ما نبغي} أي ماذا نريد {هذه بضاعتنا ردت إلين}, كما قال قتادة: ما نبغي وراء هذا, إن بضاعتنا ردت إلينا, وقد أوفى لنا الكيل, {ونمير أهلن} أي إذا أرسلت أخانا معنا نأتي بالميرة إلى أهلنا, {ونحفظ أخانا ونزداد كيل بعير} وذلك أن يوسف عليه السلام كان يعطي كل رجل حمل بعير, وقال مجاهد: حمل حمار, وقد يسمى في بعض اللغات بعيراً, كذا قال {ذلك كيل يسير} هذا من تمام الكلام وتحسينه, أي إن هذا يسير في مقابلة أخذ أخيهم ما يعدل هذا {قال لن أرسله معكم حتى تؤتون موثقاً من الله} أي تحلفون بالعهود والمواثيق {لتأتنني به إلا أن يحاط بكم} إلا أن تغلبوا كلكم ولا تقدرون على تخليصه {فلما آتوه موثقهم} أكده عليهم, فقال: {الله على ما نقول وكيل}, قال ابن إسحاق: وإنما فعل ذلك لأنه لم يجد بداً من بعثهم لأجل الميرة التي لا غنى لهم عنها, فبعثه معهم.

** وَقَالَ يَبَنِيّ لاَ تَدْخُلُواْ مِن بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُواْ مِنْ أَبْوَابٍ مّتَفَرّقَةٍ وَمَآ أُغْنِي عَنكُمْ مّنَ اللّهِ مِن شَيْءٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلاّ للّهِ عَلَيْهِ تَوَكّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكّلِ الْمُتَوَكّلُونَ * وَلَمّا دَخَلُواْ مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُم مّا كَانَ يُغْنِي عَنْهُمْ مّنَ اللّهِ مِن شَيْءٍ إِلاّ حَاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضَاهَا وَإِنّهُ لَذُو عِلْمٍ لّمَا عَلّمْنَاهُ وَلَـَكِنّ أَكْثَرَ النّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ
يقول تعالى إخباراً عن يعقوب عليه السلام, إنه أمر بنيه لما جهزهم مع أخيهم بنيامين إلى مصر أن لا يدخلوا كلهم من باب واحد, وليدخلوا من أبواب متفرقة, فإنه كما قال ابن عباس ومحمد بن كعب ومجاهد والضحاك وقتادة والسدي وغير واحد إنه: خشي عليهم العين, وذلك أنهم كانوا ذوي جمال وهيئة حسنة, ومنظر وبهاء, فخشي عليهم أن يصيبهم الناس بعيونهم, فإن العين حق تستنزل الفارس عن فرسه, وروى ابن أبي حاتم عن إبراهيم النخعي في قوله {وادخلوا من أبواب متفرقة} قال: علم أنه سيلقى إخوته في بعض تلك الأبواب. وقوله {وما أغني عنكم من الله من شيء} أي إن هذا الاحتراز لا يرد قدر الله وقضاءه, فإن الله إذا أراد شيئاً لا يخالف ولا يمانع, {إن الحكم إلا لله عليه توكلت وعليه فليتوكل المتوكلون * ولما دخلوا من حيث أمرهم أبوهم ما كان يغني عنهم من الله من شيء إلا حاجة في نفس يعقوب قضاه} قالوا: هي دفع إصابة العين لهم {وإنه لذو علم لما علمناه} قال قتادة والثوري: لذو عمل بعلمه. وقال ابن جرير: لذو علم لتعليمنا إياه {ولكن أكثر الناس لا يعلمون}.

** وَلَمّا دَخَلُواْ عَلَىَ يُوسُفَ آوَىَ إِلَيْهِ أَخَاهُ قَالَ إِنّيَ أَنَاْ أَخُوكَ فَلاَ تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ
يخبر تعالى عن إخوة يوسف لما قدموا على يوسف ومعهم أخوه شقيقه بنيامين, وأدخلهم دار كرامته ومنزل ضيافته, وأفاض عليهم الصلة والألطاف والإحسان, واختلى بأخيه فأطلعه على شأنه وما جرى له, وعرفه أنه أخوه, وقال له: لا تبتئس, أي لا تأسف على ما صنعوا بي, وأمره بكتمان ذلك عنهم, وأن لا يطلعهم على ما أطلعه عليه من أنه أخوه, وتواطأ معه أنه سيحتال على أن يبقيه عنده معززاً مكرّماً معظماً.